RSS

“نعم” ام ” لا ” للتعديلات الدستورية .. قراءة متأنية للموقف

14 مارس

نعم  .. ام   لا  ..لا يبدو الجواب صعبا من شكل وتكوين السؤال ..لكن وان جاء السؤال في ثلاث كلمات فان الاجابة عليه دائما ما تكون عده صفحات ..

السؤال بالرغم من انه يعرض خيارين واضحين والاجابة الشافية قد تكون من حرفين او ثلاثة  الا انه نتيجة الواقع الذي نعيش فيه .. وخبو نار الثورة ولو قليلا .. وبالطبع ترك الميدان والجري وراء الاستوديوهات ومقرات الاحزاب .. واختفاء الالتفاف والتجمع حول المطلب.. وايضا تعدد زوايا الرؤيا لنفس الهدف كل ذلك يضع امام صاحب الاجابة صعوبة في الوصول الي هذه الاجابة الشافية .. وتراه بسارع بعد”لا” او “نعم”  بسيل من الاعتراضات والتحسبات والاستدراكات بحيث انك في نهاية كلامه قد لا تتيقن ان كانت الاجابة التي سمعتها في البداية هي ما انتهي اليه الكلام ..

لابد ان توضيح عدد من  النقاط الهامة هنا :

1- ان اغلب الاجابات بـ” لا” او “نعم”  ليست ردا علي جوهر السؤال ولا تنبع من دراسة التعديلات في حد ذاتها ..لكن تكون الاجابة بسبب محاذير اخري وفزاعات مختلفة كل حسب كابوسه الخاص .. ولوكانت التعديلات الحالية طرحت وميدان التحرير كما كان ايام يناير لكانت الاجابات قاطعه وجازمة سواء كانت لا او نعم .. وبدون الاستدراكات والاسترسالات الادبية الحالية.الا ان اختفاء الالتحام الثوري والاحساس بتفرد البعض – وخاصة ائتلاف شباب الثورة – بالموقف والقرار واحساس الملايين التي خرجت ان الثورة اصبحت غير معنية بهم وان اوصياء عليهم قد عينوا – دون الخوض في وطنية هؤلاء او مدي قدرتهم او شعبيتهم – وبالتالي سكتت الغالبية اما اطمئنانا الي الاوصياء او عودة الي جبهة الرفض الصامت الذي تعودناه وماؤسناه خلال العقود السابقة .. وبالتالي كان الاستفتاء القادم فرصة للموافقين والرافضين لتوضيح موقعهم .

2- هناك قطبين في الشارع الان يمكن تمييزهما بوضوح .. الاول يقول نعم للتعديلات فقط لانه يخاف من وجود الجيش في الحكم – وبغض النظر عن وطنية الجيش دون شك – الا ان من هم علي معرفة بالجيش وهم السواد الاعظم يدركون مدي ما تفعله السلطة في بني وطنهم  .. ويخشون من وجود القيادات في موقع السلطة وبالصلاحيات الحالية المطلقة لديهم لمدة طويلة ..خوفا علي حلم الدولة المدنية والديموقراطية التي راح في سبيلها مئات من زهرة شباب مصر ..ومن المفارقات الغريبة ان تري الاخوان يسعون لـ “نعم”  بغرض سرعة انهاء حكم العسكر والليبراليين  يسعون لاطالة مدة حكمهم .. وكل يغني علي ليلاه .

3- من غير المنطقي ان ينكر احد او يستنكر سعي البعض الي مصالحهم والتي – ان جنبنا التخوين –  تنبع من قناعاتهم الخاصة بمصلحة الوطن اضافة الي مصالح خاصة في حدود الجمع او الطائفة .. فمن المنطقي ان يطالب البرادعي وعمرو موسي بدستور جديد وفترة اطول في حماية المجلس الاعلي للاعداد لمستقبلهم السياسي ولا اجد في ذلك ما يعيب فنحن في سباق وطني بجدارة والفائز فيه الوطن اي كان حامل الكأس واللقب .. كما انه من الطبيعي ان تحتاج الاحزاب الكارتونية لوقت لتطهر نفسها من القيادات المعيبة والحشد للعمل الوطني الحقيقي .. ولا يمكن ان ياخذ ذلك عليهم ايضا ..

الا انه في المقابل لا يمكن وليس من العدل ان يهاجم الاخوان المسلمون لانهم مستعدون للانتخابات البرلمانية ..وكانه من العيب ان هؤلاء وقفوا في وجه حاكم ظالم ورفضوا ان يكونوا ضمن الطائفة الكارتونية وقبلوا بدفع الثمن اعتقالا وتعذيبا ومطاردة من النظام وامنه .. وحتي من يصفونهم بالخيانة لقبول صفقة مع النظام فان الواقع يقول ان الاخوان استغلوا هذه الصفقة في خدمة المجتمع وتوصيل خدمات مباشرة للعديد من المواطنين علي تنوع انتمائتهم  ..ومن المعيب علينا ان يتسأل البعض لماذا لم يتقدموا باستجواب واحد مفيد لاحد من المسئولين او الوزراء ..وكأنه كان لدينا رقابة ومحاسبة وعقاب واعطل كل هذا عدم تقدم الاخوان ياستجابات ..اضافة الي انني اسأل اين استجوابات الاخرين الجادة ولماذا لم تؤخذ عليهم ؟؟.اما من يقول انهم ركبوا الموجة وخطفوا الثورة .. فقد نسي من حمي الميدان يوم الاربعاء الدامي من جهة عبد المنهم رياض .. ونسي من ضحي بشعاراته الخاصة وشبابه لاجل ان يزيد زخم الثورة وصوتها .. انا اكثر ميلا ان لا احد في الوطن الان خائن اذا استثنينا شرم الشيخ وعملائها المعروفين وحزبها .

من المواقف الغريبة ايضا تخوين الاخوان لقبولهم التعديلات واستخدامهم مرة اخري كفزاعه ولكن للشعب هذه المرة ..في حين ان اخرين وافقوا علي هذه التعدبلات مثل حزب العمل  والوسط ولم يتم الاشارة اليهم ..عموما لا اهدف من هذا الدفاع عن الاخوان بقدر ما اريد ان اوضح ان العديد قد يقول لا للتعديلات لمجرد ان الاخوان سيقولون نعم .

4- الجيش له موقف وطني واضح ..الان ونحن نقف علي بعد ما يقرب من الشهرين من بداية الثورة نعلم ان الجيش كان له دور كبير في الضغط علي الطاغية ليرحل وايضا لحماية دماء ابناء مصر وحقنها .. هذا عندما ننظر للجيش ككيان واحد .. لكن عندما نكبر الصورة فسنجد الجيش صورة مصغرة من الشعب المصري .. ففيه بعض من بواقي الحزب الوطني وكلنا نعرفهم ..وفيهم ايضا رجال الاعمال ومن لهم مصالح مع العديد من وجوه النظام ومن ينكر ذلك فاما انه اعمي البصيرة او انه لم يكن موجودا في مصر  الثلاثون عاما الماضية .. هناك ايضا الوطنيون ..بل وهناك الثوار في هذا المشهد ..ولا يمكن ان ننكر انه كان هناك ميدان تحرير مواز -ان جاز التعبير- داخل القيادة العامة للقوات المسلحة وتأقيرها كان واضحا خلال الاحداث .. ولكن كما انتصر الحق في الصورة العامة للشعب المصري انتصر الحق في النسخة المصغرة داخل الجيش ..وكما خضع اصحاب المصالح وبواقي النظام لشرعية الثورة خضعوا داخل الجيش .. وبالقياس فانه كما تحاول هذه الشراذم المقاومة والالتفاف في الصورة العامة فان الامر لا يختلف كثيرا داخل غرف الاجتماعات في الجيش .

لذلك لا يمكن بحال ان نلوم علي المتخوفين من طول الفترة الانتقالية ومن المستغرب ان وجهة النظر المخالفة تطلب بقاء الجيش في السلطة حتي لا تسلم الي رئيس متاحة له صلاحيات الاله او نصف الاله ..  كما يحلو للبعض الوصف .. والقادرة -هذه الصلاحيات – علي تحويل اي منتخب للرئاسة الي نسخة من مبارك لا قدر الله .. وهي حجة غريبة اذ ان المجلس الاعلي للقوات المسلحة يملك الان تلك الصلاحيات وتزداد عليها قوة السلاح والدعم الشعبي ايضا ولمن لا يعلم فالمجلس الاعلي لا يضم الات بل هم بشر .. تماما كاي مرشح للرئاسة ..وقد تؤثر عليهم وتغيرهم الصلاحيات ايضا .

لذلك فمن يطلب من المجلس الاعلي البقاء لمدة اطول في الحكم لحين اعداد دستور جديد عليه ان بسوق حجة افضل من الحد من صلاحيات الرئيس .. والتخوف من السلطات المطلقة له لانه في هذه الحالة يلعب بسلاح ذو حدين .. واي منهما لا يقل حده شحذا عن الاخر .

اذا لندع جانيا من سيقول نعم لان الجيش لا يمكن ان يبقي في الشارع كل هذا الوقت .. وان هناك تهديدات علي الحدود – وهي موجودة بالفعل ومقلقة – سواء في الجنوب مع السودان او في الغرب مع ليبيا او في الشرق اي كان التهديد .

وايضا لندع من سيقولون ” لا ” لان الاخوان قادمون والحزب الوطني قادم .. منذ اكثر من خمسون عاما والامريكان يقولون “الروس قادمون ” والي اليوم لم يأت الروس ..

اذا يبقي من يطالبون بدستور جدبد ..وهذا الامر غير مفهوم – علي الاقل بالنسبة لي – فالدستور الجديد لم بختلف عليه اثنان من الخمسة وثمانون مليون مصري  الا الراحل وعائلته .. والذبن برفعون شعار لا لدستور مرقع بفترضون بقاء هذا الدستور والعيش في ظله ..في حين اكدت المادة 189 مكرر ضرورة الدعوة لجمعبة تأسيسية لعمل دستور جديد يناسب الدولة المصرية الحديثة . وايا كانت الصياغة للمادة 189 او 189 مكرر تفسيرية او تأويلية فقد صدرت مذكرة شارحة من المجلس الاعلي علي صفحته علي الفيس بوك ووسائل الاعلام وبيان نوايا يوضح الزامية الرئيس او مجلس الشعب في الدعوة لهذه الجمعية التأسيسية .. فأمر الدستور الجديد هو تحصيل حاصل ..ودستور 72 سقط يوم 25 يناير ..وليقل من يشاء ما شاء ..نحن ضمانة سقوط الدستور ..

اذا فلا دستور مرقع ولا دستور بكر .. الموجود الان هو دستور مؤقت ..وتبقي جدلية الدستور المؤقت ام اعلان دستوري .. وفي كل الاحوال المدة لاي منهما اقل من 4 شهور وان طالت لن تزيد بحال هن 7 اشهر ..

اذا فلنضع جانبا ايضا يافطات الدستور المرقع والدستور المعدل ودستور مبارك و….. الاف الشعارات التي تحير كثير من الناس وتوجه نفكيرهم .. واجابتهم علي السؤال المطروح هنا .

هكذا نكون قد صفينا الموقف الشعبي من الذين يتبنون موقفا ما بسبب تعارض الرؤيا مع طرف اخر والذين تتحكم فبهم كوابيس اليقظة … وربما تكون الرؤية الان للمشهد لازالت ضبابية الا انها  اكثر وضوحا من الرؤية  وسط السحاب ..

وحتي تزداد الامور وضوحا يجب ان نؤكد علي الاتي :

لا يمكن لرئيس قادم ان ينسي يوم 2/11/2011  ولا قدرة المصريين الغاضبين وارادتهم علي التغيير ..ولم يقل العالم اننا الهمناه من فراغ ..حتي انني اشفق علي الرئيس القادم الذي سيحسب الف حساب لكل خطوة له في سدة الرئاسة تجنبا لغضب هذا الشعب واعتبارا لمشهد الثاني من فبراير .. وبالتالي يجب ان نثق انه لن ياتي رئيس ليقول لنا “” هيه ..  ضحكت عليكم ومش عامل دستور ” اي كانت القوانين ومواد الدستور التي تدعمه ..الارادة الشعبية لازالت قائمة وهي الضمانة خاصة في ظل الفترة الزمنية القليلة المتاحة .

امر اخر وهو فكرة ان الدستور يمكن ان يعد خلال شهرين بل ان هناك دساتير جاهزة بالفعل  .. بالله عليك ترفض عروسة لانها مرقعة ويكون الحل ان تستورد واحدة من الخارج ؟؟ لا سلامة في هذا المنطق  .

وان هناك فلان وفلان في الجهة الفلانية اعدوا بالفعل دستورا وجاهز .. وكأننا كنا نكتب دستورا كل ساعه وكأن الجميع خبراء في اعداد الدساتير بالمقاسات والخامات اللازمة ..وان رد البعض انهم خبراء فاسمحوا لي انه لا غبار علي البشري وجماعته في مسألة الخبرة .

هل يمكن خلال شهرين ان يعد احد اي كان دستورا لمصر يشمل رأي الفلاح في القرية ..والصانع في المصنع .. والسيدات في بيوتهم .. الاطفال .. الفقراء ..رجال الاعمال .. المسلمين .. طوائف المسلمين..المسيحيين …غير المتدينين .. المصريين في الخارج ..المصريين في العشوائيات .. المصريين في النوبة .. اهل الصعيد ..اهل بحري .. اهل سينا .. هذه القائمة يمكن ان تطول الي حد الملل .. ولكن.. اليس هناك ايضا ابعاد قومية ..ابعاد عربية .. مواقف دولية؟

من يملك ان يغفل فردا واحدا  او  جهة او طائفة من هؤلاء .. ومن يستطيع ان يقول ان هذه الطائفة لا يهم رأيها في الدستور ..او من يمكنه ان يقول ان الدستور ان ناسب البعض علي الباقيين القبول والصمت ؟؟ من ؟؟

اي محاولة لكتابة الدستور لا تبدأ بحوار شعبي متكامل بجميع اطيافه ومكوناته لن تصل بنا الي دستور يبني الحباة المصرية وبدعم توجه الدولة الحديثة  الحريصة علي حقوق الانسان..  بل ويصمد في مواجهة الحوادث و الازمان .. لابد من حوار وطني شامل يبدأ بقاعده الهرم وصعودا الي قمته حيث يسطر الدستور احرف وكلمات وجمل وهي اسهل مهمة .بل اكاد ازعم انه من الخطأ البدء في كتابة الدستور قبل ان توضع منصة في ميدان التحرير يصعد فوقها كل من يريد ان يعبر عن رأيه من الخمسة والتمانون مليون مصري ويسمع له وان اخذ ذلك دهرا ..

بدون هذا سيكون هناك معارضون لهذا الدستور وقد لا يكون اليوم يومهم ولكن لن يكون الدستور ايضا دستورهم ..وسيتحينون اليوم الذي ينقضون فيه عليه ويسقطوه هم او ابناءهم ..وما اشبه اليوم بالغد .. اذا قد يؤدي دستور لا يمثل المصريين الي خلق فيات واتجاهات جديدة في المجتمع تزعم تفرد جهات اخري بالدستور ..الاستقرار -بقدر ما اصبحت هذه الكلمة تمثل استفزازا لجموع الثورة – في النهاية هدف الدستور .

ليتحقق الاتفاق علي الدستور لابد من الحوار والاستماع من الكل وللكل .. ولاعطاء الشرعية وعدالة الاغلبية يجب ان تنتخب ..واؤكد .. تنتخب .. لا ان تختار او ترشح او تفرض .. الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ثم تأخذ وقتها لكتابة الصياغات التي تتيح للمصريين جميعا استشراف الغد وصناعه الدولة المدنية التي نتوق لها جميعا ..

يبقي الامر المهم ..طرح هذه الصياغه مرة اخري للشعب للمناقشة اولا ..ولك ان تتخيل اذا كان تعديل 8 مواد لمرحلة انتقالية 4 شهور اخذ كل هذا الوقت والجهد .. فكم يحتاج دستور جديد موضوع لاجيال كثيرة قادمة ..  لن استرسل كثيرا في هذه النقطة لاني ادرك مدي وضوحها ..

الان تصبح الرؤية واضحة ..لن اقول انها كاملة الوضوح لكنها واضحة بما يكفي ان نفكر ونقرر ..” نعم” او ” لا ”  للتعديلات الدستورية في ضوء التحديات الداخلية والخارجية ..والعقبات والمحفزات الموجودة علي الساحة المصرية ..وايضا في ضوء عامل الوقت وتأتيره سلبا وايجابا علي المسرح السياسي المصري الان .

الان ادعوك ان تقرر هل تريد الاستفتاء بـ “نعم ” ام تريد الاستفتاء بـ”لا” .. وادعوك ايضا ان يكون محل اجابتك هو صندوق الاقتراع الذي يجب ان نتعلم من اليوم انه الفيصل فيما نختلف فيه من امور .

 
تعليق واحد

Posted by في 14/03/2011 بوصة Uncategorized

 

1 responses to ““نعم” ام ” لا ” للتعديلات الدستورية .. قراءة متأنية للموقف

  1. أحمد أبو بكر جاد الحق *

    31/03/2011 at 8:14 م

    موضوع جميل … ولن أحجر على رأيكم …. ولكن اترك لكل واحد أن يحدد اختياره برغبته

     

أضف تعليق